كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولو كان اسمًا للماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية والأصل في الإضافة التغاير والحقيقة، فإن قيل: قال تعالى في نوح: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}.
فقدم نوحًا في الذكر وعرف القوم بالإضافة إليه، وكذلك في إبراهيم ولوط وهاهنا ذكر القوم أولًا وأضاف إليهم أخاهم شعيبًا، فما الحكمة في ذلك؟.
أجيب: بأن الأصل في الجميع أن يذكر القوم ثم يذكر رسولهم لأن الرسل لا تبعث إلى غير معينين وإنما تبعث الرسل إلى قوم محتاجين إلى الرسل فيرسل الله تعالى إليهم من يختاره، غير أن قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم اسم خاصة ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها فعرفوا بنبيهم عليه السلام فقيل قوم نوح وقوم لوط فأما قوم شعيب وهود وصالح فكان لهم نسب معلوم اشتهروا به عند الناس فجرى الكلام على أصله قال تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا} {وإلى مدين أخاهم شعيبًا} {فقال} أي: فتسبب عن إرساله وبعثه أن قال: {يا قوم اعبدوا الله} أي: الملك الأعلى وحده ولا تشركوا به شيئًا فإن العبادة التي فيها شرك ظاهر أو خفي عدم لأن الله تعالى أغنى الشركاء فهو لا يقبل إلا ما كان له خالصًا.
فإن قيل: لم يذكر عن لوط عليه السلام أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد، وذكر عن شعيب ذلك؟
أجيب: بأن لوطًا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه وكان إبراهيم سبقه بذلك واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق من إبراهيم فلم يحتج لوط إلى ذكره وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها وإن كان هو أبدًا يأمر بالتوحيد إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلامه في التوحيد، وأما شعيب فكان بعد انقراض ذلك الزمن وذلك القوم فكان هو أصلًا في التوحيد فبدأ به، ولما كان السياق لإقامة الأدلة على البعث الذي هو من مقاصد السورة قال: {وأرجوا اليوم الآخر} أي: وافعلوا ما ترجون به العاقبة فأقيم المسبب مقام السبب، أو أمروا بالرجاء والمراد اشتراط ما يسوغه من الإيمان كما يؤمر الكافر بالشرعيات على إرادة الشرط، وقيل: هو من الرجاء بمعنى الخوف {ولا تعثوا في الأرض} حال كونكم {مفسدين} أي: متعمدين الفساد، ولما تسبب عن هذا النصح وتعقبه تكذيبهم تسبب عنه وتعقبه إهلاكهم تحقيقًا لأن أهل السيئآت لا يسبقوننا قال تعالى: {فكذبوه} في ذلك، فإن قيل ما حكاه الله تعالى عن شعيب أمر ونهي والأمر لا يكذب ولا يصدق فإن من قال لغيره: اعبد الله لا يقال له كذبت؟
أجيب: بأن شعيبًا كان يقول الله واحد فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرم فلا تقربوه، وهذه فيها إخبارات فكذبوه فيما أخبر به {فأخذتهم الرجفة} أي: الزلزلة الشديدة، وعن الضحاك صيحة جبريل لأن القلوب رجفت بها {فأصبحوا في دارهم} أي: في بلدهم أو دورهم فاكتفى بالواحد ولم يجمع لأمن اللبس {جاثمين} أي: باركين على الركب ميتين فإن قيل: قال تعالى في الأعراف وههنا: فأخذتهم الرجفة وقال في هود: فأخذتهم الصيحة والحكاية واحدة؟
أجيب: بأنه لا تعارض بينهما فإن الصيحة كانت سببًا للرجفة لأن جبريل لما صاح تزلزلت الأرض من صيحته فرجفت قلوبهم، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب.
فإن قيل ما الحكمة في أنه تعالى إذا قال فأخذتهم الصيحة قال في ديارهم وحيث قال فأخذتهم الرجفة قال في دارهم؟
أجيب: بأن المراد من الدار هو الديار والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن اللبس كما مر، وإنما اختلف اللفظ للطيفة وهي أن الرجفة هائلة في نفسها فلم تحتج إلى تهويلها، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها لكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أخذت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع حتى تعلم هيئتها، والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كلامه فلم تحتج إلى معظم لأمرها، ولما كان معنى ختام قصة مدين فأهلكناهم عطف على ذلك المعنى قوله تعالى: {وعادًا} أي: وأهلكنا أيضًا عادًا {وثمودًا} مع ما كانوا فيه من العتو والتكبر والعلو لأن من المقاصد العظيمة الدلالة على اتباع بعض هذه الأمم بعضًا في الخير والشر على نسق والجري بهم في إهلاك المكذبين وإنجاء المصدقين طبقًا عن طبق، وقرأ حمزة وحفص في الوصل وثمود بغير تنوين على تأويل القبيلة وفي الوقف بسكون الدال، والباقون بالتنوين وفي الوقف بالألف {وقد تبين لكم} أي: ما حل بهم من مساكنهم أي: ما وصف من هلاكهم وما كانوا فيه من شدة الأجسام وسفه الأحلام وعلو الاهتمام وتقرب الأذهان وعظم الشأن عند مروركم بتلك المساكن ونظركم إليها في ضربكم في التجارة إلى الشام فصرفوا في الإقبال على الاستمتاع بالعرض الفاني من هذه الدنيا فأملوا بعيدًا وبنوا مشيدًا ولم يغن عنهم شيء من ذلك شيئًا من أمر الله {وزين لهم الشيطان} البعيد من الرحمة، المحترق باللعنة بقوة احتياله ومحبوب ضلاله ومحاله {أعمالهم} أي: الفاسدة من الكفر والمعاصي فأقبلوا بكليتهم عليها {فصدهم} أي: فتسبب عن ذلك صدهم {عن السبيل} أي: منعهم عن سلوك الطريق الذي لا طريق إلا هو لكونه يوصل إلى النجاة، وغيره يوصل إلى الهلاك، ولما كان ذلك ربما ظن لفرط غباوتهم قال: {وكانوا مستبصرين} أي: معدودين بين الناس من البصراء العقلاء، ولما كان فرعون ومن ذكر معه من العتو بمكان لا يخفى لما أوتوا من القوة بالأموال والرجال قال: {وقارون} أي: وأهلكنا قارون وقومه لأن وقوعه في أسباب الهلاك أعجب لكونه من بني إسرائيل ولأنه ابتلي بالمال والعلم فكان ذلك سبب إعجابه فتكبر على موسى وهارون عليهما السلام فكان ذلك سبب هلاكه {وفرعون وهامان} وزيره الذي أوقد له على الطين فباع سعادته ليكونه ذنبًا لغيره {ولقد جاءهم} من قبل {موسى بالبينات} أي: بالحجج الظاهرات التي لم تدع لبسًا {فاستكبروا} أي: طلبوا أن يكونوا أكبر من كل كبير بأن كانت أفعالهم أفعال من يطلب ذلك {في الأرض} بعد مجيء موسى عليه السلام إليهم أكثر مما كانوا قبله {وما كانوا سابقين} أي: فائتين بل أدركهم أمر الله، منْ سبق طالبه إذا فاته.
{فكلًا} أي: فتسبب عن تكذيبهم أن كلًا {أخذنا} أي: بما لنا من العظمة {بذنبه} أي: أخذ عقوبة ليعلم أنه لا أحد يعجزنا {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا} أي: ريحًا عاصفًا فيها حصباء كقوم لوط وعاد {ومنهم من أخذته الصيحة} أي: التي تظهر شدتها الريح الحاملة لها الموافقة لقصدها فترجف لعظمتها الأرض كمدين وثمود {ومنهم من خسفنا به الأرض} أي: غيبناه فيها كقارون وجماعته {ومنهم من أغرقنا} بالغمر في الماء كقوم نوح وفرعون وقومه وعذاب قوم صالح المعد في الإغراق والمعد في الخسف فتارة يهلك بريح تقذف بالحجارة من السماء كقوم لوط أو من الأرض كعاد {وما كان الله} أي: الذي لا شيء من الجلال والكمال إلا له {ليظلمهم} أي: فيعذبهم بغير ذنب {ولكن كانوا أنفسهم} لا غيرها {يظلمون} بارتكاب المعاصي ولم يقبلوا النصح مع هجرهم، ولا خافوا العقوبة على ضعفهم، ولما بين تعالى أنه أهلك من أشرك عاجلًا وعذب من كذب آجلًا ولم ينفعه معبوده مثل تعالى اتخاذه ذلك معبودًا باتخاذ العنكبوت بيتًا فقال: {مثل الذين اتخذوا} أي: تكلفوا أن اتخذوا {من دون الله} أي: الذي لا كفء له فرضوا بالدون الذي لا ينفع ولا يضر عوضًا عمن لا تكيفه الأوهام والظنون {أولياء} ينصرونهم بزعمهم من معبودات وغيرها في الضعف والوهن.
{كمثل العنكبوت} أي: الدابة المعروفة ذات الأرجل الكثيرة الطوال {اتخذت بيتًا} أي: تكلفت أخذه في صنعتها له ليقيها الردى ويحميها البلاء كما تكلف هؤلاء اصطناع أربابهم ليقوهم ويحفظوهم بزعمهم فكان ذلك البيت مع تكلفها في أمره وتعبها الشديد في شأنه في غاية الوهن {وإن} أي: والحال إن {أوهن البيوت} أي: أضعفها {لبيت العنكبوت} لا يدفع عنها حرا ولا بردا كذلك الأصنام لا تنفع عابديها {لو كانوا يعلمون} أي: لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن، وأيضًا أنه إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون أي: لو كان لهم نوع ما من العلم لانتفعوا به ولعلموا أن هذا مثلهم فأبعدوا عن اعتقاد ما هذا مثلهم، ولقائل أن يقول مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت تتخذ بيتًا بالإضافة إلى رجل يبني بيتًا بآجر وجص أو ينحته من صخر وكان أوهن البيوت إذا استقريتها بيتًا بيتًا بيت العنكبوت كذلك الأديان إذا استقريتها دينًا دينًا عبادة الأوثان، فإن قيل: لم مثل تعالى باتخاذ العنكبوت ولم يمثل بنسجها؟
أجيب: بأن نسجها فيه فائدة لولاه لما حصلت وهو اصطياد الذباب به من غير أن يفوتها ما هو أعظم منه واتخاذهم الأوثان يفيدهم ما هو أقل من الذباب من متاع الدنيا ولكن يفوتهم ما هو أعظم منها وهو الدار الآخرة التي هي خير وأبقى فليس اتخاذهم كنسج العنكبوت، تنبيه: نون العنكبوت أصلية والواو والتاء مزيدتان بدليل جمعة على عناكب وتصغيره عنيكب ويذكر ويؤنث فمن التأنيث قوله تعالى: {اتخذت} ومن التذكير قول القائل:
على هطالهم منهم بيوت ** كأن العنكبوت هو ابتناها

وهذا مطرد في أسماء الأجناس تذكر وتؤنث، وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص البيوت بضم الباء، والباقون بكسرها، ولما كان ضرب المثل بالشيء لا يصح إلا من العالم بذلك الشيء قال الله تعالى: {إن الله} أي: الذي له صفات الكمال {يعلم ما} أي: الذي {يدعون} أي: يعبدون {من دونه} أي: غيره {من شيء} أي: سواء كان صنمًا أم إنسيًا أم جنيًا {وهو العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه، وقرأ أبو عمرو وعاصم يدعون بالياء التحتية، والباقون بالفوقية، ولما ذكر مثلهم وما تتوقف صحته عليه كان كأنه قيل: على وجه التعظيم: هذا المثل مثلهم فعطف عليه قوله تعالى إشارة إلى أمثال القرآن كلها تعظيمًا لها وتنبيهًا على جليل قدرها وعلو شأنها.
{وتلك الأمثال} أي: العالية عن أن تنال بنوع احتيال، ثم استأنف قوله تعالى: {نضربها} أي: بمالنا من العظمة بيانًا {للناس} أي: تصويرًا للمعاني المعقولات بصور المحسوسات لعلها تقرب من عقولهم فينتفعوا بها، وهكذا حال التشبيهات كلها هي طرق إلى إفهام المعاني المحتجبة في الأستار تبرزها وتكشف عنها وتصورها، روي أن الكفار قالوا كيف يضرب خالق الأرض والسموات الأمثال بالهوام والحشرات كالذباب والبعوض والعنكبوت؟ فقال الله تعالى مجهلًا لهم: {وما يعقلها} أي: حق تعقلها فينتفع بها {إلا العالمون} أي: الذين هيؤا للعلم وجعل طبعًا لهم بما بث في قلوبهم من أنواره وأشرق في صدورهم من أسراره، فهم يضعون الأشياء مواضعها، روى الحارث بن أبي أسامة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العالم الذي عقل عن الله وعمل بطاعته واجتنب سخطه» قال البغوي: والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول يريد أمثال القرآن التي يشبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة، ولما قدم تعالى أنه لا معجز له سبحانه ولا ناصر لمن خذله استدل على ذلك بقوله تعالى: {خلق الله} أي: الذي لا يدانى في عظمته {السموات والأرض بالحق} أي: الأمر الذي يطابقه الواقع، أو بسبب إثبات الحق وإبطال الباطل، أو بسبب أنه محق غير قاصد به باطلًا فإن المقصود بالذات من خلقهما إفاضة الجود والدلالة على ذاته وصفاته كما أشار إليه بقوله تعالى: {إن في ذلك لآية} أي: دلالة ظاهرة على قدرته تعالى: {للمؤمنين} وأختص المؤمنون بذلك لأنهم المنتفعون به، ثم خاطب تعالى رأس أهل الإيمان بقوله تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب} أي: القرآن الجامع لكل خير لتعلم أن نوحًا ولوطًا وغيرهما كانوا على ما أنت عليه بلغوا الرسالة وبالغوا في إقامة الدلالة، ولم ينقذوا قومهم من الضلالة، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ولما أرشد تعالى إلى مفتاح العلم دل على قانون العمل بقوله تعالى: {وأقم الصلاة} أي: التي هي أحق العبادات، ثم علل ذلك بقوله تعالى: {إن الصلاة تنهى} أي: توجد النهي وتجدده للمواظب على إقامتها بجميع حدودها {عن الفحشاء} أي: عن الخصال التي بلغ قبحها {والمنكر} وهو ما لا يعرف في الشرع، فإن قيل: كم من مصل يرتكب الفحشاء؟
أجيب: بأن المراد الصلاة التي هي الصلاة عند الله تعالى المستحق بها الثواب بأن يدخل فيها مقدمًا للتوبة النصوح متقيًا لقوله تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
ويصليها خاشعًا بالقلب والجوارح، فقد روي عن حاتم كأن رجلي على الصراط والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت من فوقي وأصلي بين الخوف والرجاء، ثم يحوطها بعد أن يصليها ولا يحبطها فهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقال ابن مسعود وابن عباس: إن الصلاة تنهى وتزجر عن معاصي الله عز وجل فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله تعالى إلا بعدًا، وقال الحسن وقتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه، وقيل من كان مراعيًا للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يومًا ما، فقد روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن فلانًا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال: «إن صلاته لتردعه».
وروي أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ولا يدع شيئًا من الفواحش إلا ركبه فوصف له فقال: إن صلاته ستنهاه فلم يلبث أن تاب، وقال ابن عوف: معنى الآية إن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها، وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لابد أن يكون أبعد من الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها، وأيضًا فكم من مصلين تنهاهم الصلاة عن الفحشاء والمنكر، واللفظ لا يقتضي أن لا يخرج واحد من المصلين عن قضيتها كما تقول: إن زيدًا ينهى عن المنكر فليس غرضك أنه ينهى عن جميع المناكر وإنما تريد أن هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من غير اقتضاء للعموم، وقيل: المراد بالصلاة القرآن كما قال تعالى: {ولا تجهر بصلاتك} أي: بقراءتك وأراد به من يقرأ القرآن في الصلاة فالقرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر، روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجلًا يقرأ القرآن الليل كله ويصبح سارقًا قال ستنهاه قراءته، ولما كان الناهي في الحقيقة إنما هو ذكر الله أتبع ذلك بقوله تعالى: {ولذكر الله أكبر} أي: لأن ذكر المستحق لكل صفات كمال أكبر من كل شيء فذكر الله تعالى أفضل الطاعات، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا: وما ذاك يا رسول الله قال: ذكر الله» وسئل صلى الله عليه وسلم أي: العبادة أفضل عند الله درجة يوم القيامة قال: «الذاكرون الله كثيرًا، قالوا يا رسول الله ومن الغازين في سبيل الله فقال: لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دمًا لكان الذاكر الله كثيرًا أفضل منه درجة».
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جبل في طريق مكة يقال له جمدان فقال: «سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» أو والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات وسماها بذكر الله كما قال تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}.
وإنما قال ولذكر الله أكبر ليستقل بالتعليل كأنه قال والصلاة أكبر لأنها ذكر الله، وعن ابن عباس: ولذكر الله تعالى إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته، وقال عطاء: ولذكر الله أكبر من أن يتقى معه معصية.
{والله} أي: المحيط علمًا وقدرة {يعلم} أي: في كل وقت {ما تصنعون} من الخير والشر فيجازيكم على ذلك. اهـ.